الروائية روسا ريغاس
تختلف الطرق السردية بين رواية وأخرى، بعضها يكون السرد فيها، مثل السيل المنهال، فيأتي على شكل شخصيات كثيرة، مواقف، أحداث متسلسلة ومتعاقبة، لتشكل مع بعضها بعضا كلا مجتمعا، وهناك قصص وروايات، تقوم على قاعدة وخطة عمل، لها ماض، حاضر، ومستقبل. والبعض الآخر، يدخل في نمطية العجائبية السحرية، فيها كائنات خارقة للطبيعة، تسعى إلى تحطيم القوانين الموضوعة وكل ما يُعتبر تابوت. وهناك روايات تتناول الحب، أو الأُسرة، أو الأحلام، وعقبات تعترض طريق البطل فتمنعه من تحقيق أحلامه... إذن هناك آلاف الأساليب للقص عند الكُتاب، والخيارات أمام الروائي واسعة وعديدة، وهوامش المناورة غير محدودة، كما هو الأمر بالنسبة للروايات الواقعية أو المبتكرة.
الرواية التي نقدم " المنبوذ"، للروائي السعودي عبد الله زايد، تضعنا أمام بناء روائي إبداعي أصيل للغاية. الرواية تعالج رحلة رجل يسافر ليزور والده المريض، و خلال السفر الذي يستغرق اثنتين و سبعين ساعة، يستعرض القاص أمام أعيننا مشاهد من طفولته ومن قريته، العادات والتقاليد المفروضة على المواطنين وضرورة التمسك بها وبالدين، الحب، الطيبة، سوء طبيعة الإنسان وأهمية العائلة، والتعلم في هذا السياق، من الحرية، من وجهات النظر والآراء المختلفة و من حرية التعبير. ولكن، في هذه الرحلة، لا تُطرح كل هذه الأمور، الشيء الوحيد الذي يُفاجئ في هذه القصة، هو سريرة رجل ومكنوناته، هذا الرجل بمجرد محاولته أن يكون حرا، يجد نفسه منبوذا من الذين لا يملكون الشجاعة ليكونوا مثله أحرارا، وخاصة من الذين لا يفكرون في التغيير ولا يطمحون إليه على الإطلاق. بلغة شعرية بسيطة ومؤثرة، موروثة بلا شك، من تراث آداب اللغة العربية التي تحاكي الشعر، ننتهي لنتقاسم دموع رجل، ليس لفشل رحلته، ولا لأنه اكتشف أن عالم ناسه وأهله بعيد كل البعد عن روحه وتفكيره، فهو لا يزال مخلصا للطريق الذي اختار، على الرغم من جعله منبوذا دائما. قصة هذا الرجل، هي قصة كل إنسان ينظر إلى العالم بعين الصدق والنبل والكرامة، شغله الشاغل هو النضال، منطلقا من نفسه ، من الأقرب إليه، بحثا عن عالم أفضل من الذي قدمه له أبوه وأسرته. إنها رواية تمتلك جمالية المضمون المفاجئ، كما تمتلك لغة شعرية أخاذة، جعلتنا نستشف مدى روعة الرواية بلغتها الأصلية، اللغة العربية التي نشعر بالحنين لمعرفتها، التعبير عن العواطف، وصف المشاهد الطبيعية ومواقف النزاع، كل هذا، جعلها تصل إلى حبكتها الأعلى الخاطفة الساحرة.
Comments