عبد الله البقالي
" لأنك إنسان" قد تبدو هذه العبارة كعنوان شيئا غريبا وغير مالوف ، واستطيع ان اضيف انها مستفزة ودافعة لتساؤلات شتى .العبارة تبدو كجزء حذف سابقه او انها منتهية بعلامات حذف . وفي جميع الحالات تظل الأبصار متعلقة بما يظهر ن مخمنة ماهو خاف . وكيفما كان الحال أظن أن ان اختيار العنوان كان ناجحا ما دام قد أدى مفعوله وأدى الى التساؤل و شد الانتباه . "لأنك انسان " هو كتاب لصاحبه زايد عبد الله من المملكة العربية السعودية صادر عن الدار العربية للعلوم . وهو في حجم متوسط يقع في مئة واربع صفحات . يتضمن ستة وخمسين عنوانا ن موزعة ما بين ماهو قصصي او مقالة او تأملات . وجل الاعمال الواردة في الكتاب متميزة بالتكثيف و القصر . غير ان تلك ليست السكة الوحيدة لنصوص الكتاب . اذ ان المسافة الفاصلة بين بين الكاتب و المتلقي من جهة . وبين المحكي و المحكى عنه اذا كانت متباعدة في البدء ، فانها مع توالي النصوص تمضي قدما في طريق التقلص و الاندثار حتى يتحول الكل في النهاية الى لبنة يستحيل اعادة تفكيك عناصرها ، ليظهر في النهاية أن التمايز الذي تصنعه الفوارق ويفرزه الواقع بين الانسان و الانسان ماهي الا موانع زائفة واحداثات واهية ظرفية تنهزم في النهاية أمام الحقائق الأزلية التي لا يؤثر فيها التحول ، سواء أكانت هذه الحقائق متعلقة بالانسان ككنه حابل على الدوام بطموحات قد تذهب به بعيدا عن قيمه ومثله التي تصنع تفرده في الكون و تبني سموه ، أو في علاقة الانسان بالصيرورة التي تجعله – رغم محاولاته- غير عابر سبيل في النهاية .الكاتب ومن اجل الوصول الى هذه ا الغاية وترسيخ هذه الحقيقة ، عمد الى خطاب قوي تميز بحضور كثيف للموت . الموت الذي هو وحده من شأنه ان يعيد الانسان الى وعيه ويدفعه بالتالي الى تقييم سلوكه ويلجم النفس الاخرى التي ان استحوذت على قراره قادته الى تدمير طبيعته .لا يوجد نص في هذا الكتاب خلا من ذكر الموت او الاشارة اليها ، واحيانا لا يتناول شيئا اخر غيرها . الا ان الموت ليس هو النهاية كما هي مرتبة في تطور حياة البشر . الكاتب اعتمدها كبداية وجعلها تلك الصعقة او الصحوة التي يكون الانسان فيها اقرب الى الحقيقة او اكثر قابلية للتعامل معها . وهي حالة شعورية تبعد الانسان او توقظه لينتبه ويبتعد عن ما هو منغمس فيه ليعود الى رشده ويتذكر رسالته ليعيد الاعتبار لعلاقته بأخيه الانسان اولا ، وصولا الى انجاز رسالته الكونية ثانيا .الكاتب بعد بلوغ هذا المرمى يتقل الى الجزء الثاني من هدفه . ويعمد الى رسم زوايا حادة ، وظلالا قاتمة تنجلي عندها التجليات والممارسات التي تبعد الانسان عن ان يكون انسانا . باثا نداءات اقرب الى الرثاء منها الى المناشدة ، صادما القارئ حينا ، مدينا اخرى ذلك التسابق الذي لا يسفر في النهاية الا عن شيئ واحد هو ان يخسر الانسان فيه انسانيته .
__________________________________________________________
أديب وناقد
"لأنك إنسان" : خطاب قوي تميز بحضور كثيف للموت الذي هو وحده من شأنه أن يعيد الإنسان إلى وعيه
Comments