top of page

بقلم:نصر الدين لعياضي

حدثني بمرارة فقال: أردت أن أهنئ وأبارك نجاح أحد أطفال عائلتي في امتحان الانتقال إلى مرحلة التعليم التكميلي. فحملت معي مجموعة ثمينة من الكتب التي لا يقل سعرها عن سعر أي جهاز إلكتروني من النوع الذي يزهو أطفال اليوم باللعب به. وقصدت بيته. لقد اعتقدت، صادقا، أن الطفل في هذا السن لابد أن يسعى إلى تشكيل مكتبته الخاصة. ويردف قائلا: ليتني ما فعلت، ليس لأن لا أحد عبأ بالهدية، بل لأنها تحولت إلى أضحوكة على ألسنة أفراد عائلتي! 
أعتقد أن أصحاب ديار النشر سيجدون في هذه الحكاية حجة لصحة مقولة ''أمة اقرأ لا تقرأ'' وإن كانوا، في حقيقة الأمر، لا يحتاجون إلى حجج إضافية لتأكيد هذا الواقع. وربما سيتّخذ بعضهم من مثل هذه الحكايات ذريعة للتملص مما آل إليه وضع الكتاب والقراءة في المجتمع.
ومن يحاول تبرئة الناشرين من تراجع مكانة الكتاب في المجتمعات العربية، فليتمعن في الأمثلة الثلاثة التالية والتي تعبر عن وقائع، والوقائع عنيدة كما يقول الفرنسيون.
المثال الأول: يسرد الكاتب السعودي عبد الله زايد قصة نشر روايته الموسومة ''المنبوذ'' قائلا: عرضت روايتي على دار نشر عربية، فطلبت مني ثلاثة آلاف دولار أمريكي (حوالي 260ألف دينار جزائري) لنشرها، فرفضت لأن أولادي أولى بهذا المبلغ. ويضيف قائلا: عرضتها على شخصية أدبية مشهورة في مجال الرواية والشعر لكتابة مقدمة لها لعلها تشفع لي المرور إلى الطبع المجاني، لكنه اعتذر دون أن يقرأها. وبقيت الرواية سجينة الكمبيوتر إلى غاية اليوم الذي سألتني فيه إحدى الصديقات المقيمة بإسبانيا عن إنتاجي الجديد، فأرسلت لها المخطوط للاطلاع عليه لا غير.. فقامت بترجمة بعض صفحات الرواية إلى اللغة الإسبانية، وعرضتها على الروائية الإسبانية ''روسا ريفاس''، مديرة المكتبة الوطنية في مدريد، فتبنتها وكتبت مقدمتها ونشرتها باللغة الإسبانية! بعدها صدرت باللغة العربية، ودفع الناشر تكاليفها. فلولا اللغة الإسبانية ما كان لهذه الرواية أن ترى النور. والطريف أن بعض النقاد اعتبروا أن الرواية كتبت باللغة الإسبانية، ثم ترجمت إلى اللغة العربية! والخلاصة التي يمكن استنتاجها من هذا المثال أننا بحاجة، دائما، إلى جهة أجنبية لتزكي إنتاجنا حتى نقتنع بجودته.
المثال الثاني: تذكر الأديبة الجزائرية ياسمينة صالح أنها عرضت روايتها ''بحر الصمت'' على أحد الناشرين، فكان رده ''آسف! الرواية لا ترتقي إلى الطبع!''. لكن بعد سنة من هذا الرفض، فازت الرواية المذكورة بجائزة مالك حداد. وحققت في دار الآداب بلبنان أحسن المبيعات العام .2002 قد يقول قائل إن الأمر عادي جدا والمسألة مسألة تقدير يختلف من شخص إلى آخر، فالكثير من الروائيين والكتاب العالميين جوبهوا برفض إنتاجهم الذي أصبح من العلامات الفارقة في الأدب والفكر. لكن غير العادي أن الناشر الذي رفض رواية الأديبة ياسمينة لم يقرأها أصلا ولم يعترف بذلك إلا بعد عشر سنوات! حسب زعم الأديبة ذاتها. والسؤال المطروح هل من المنطقي أن يحكم ناشر على إنتاج أدبي بالإعدام دون أن يقرأه؟
المثال الثالث: تقول د. ميسون البياتي، أستاذة التأريخ إنها شعرت برغبة مفاجئة في زيارة الجناح العربي في مكتبة جامعة أوكلاند الأمريكية، بعد انقطاع دام عدة سنوات. وبعد تفقد مقتنياته الجديدة من الكتب، لاحظت وجود كتاب بعنوان: ''صدام حسين من الميلاد إلى الاستشهاد'' من تأليف روبرت فيسك، الصحفي البريطاني المشهور والمختص بشؤون الشرق الأوسط. الكتاب يحمل رقم إيداع 11802 للعام 2007، ومن إصدار دار إبداع للنشر والتوزيع. وتردف المتحدثة قائلة: ساورتني شكوك حول الكتاب المذكور، لأن روبرت فيسك لا يستعمل مصطلح الاستشهاد وأن أسلوب الكتاب ليس أسلوبه. فنزلت إلى الجناح الإنجليزي ووجدت كل الكتب التي ألفها روبرت فيسك ماعدا الكتب المذكور. وتضيف قائلة: استعنت بأصدقائي في مصر للعثور على صاحب الدار والمترجم. فجاء الرد الذي صدمني: إن الكتاب المذكور من إنتاج صاحب دار نشر اختص في جمع الأموال بالضحك على ذقون القراء، من خلال نشر كتب منسوبة زورا إلى شخصيات في عالم الأدب والسياسية والصحافة والدين والفن. وقد سافر الصحفي روبرت فيسك ذاته إلى مصر لفهم خلفيات موضوع الكتاب، فداخ في البحث عن الناشر المزعوم، لأن عنوان دار نشره الذي أودعه لدى السلطات المعنية هو عنوان مسجد قديم! 
قد يقول أحدهم من المتفائلين إن هذه الأمثلة تمثل حالات شاذة. والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه. فنتمنى ذلك وإن كنا نخشى أن يتحول الشاذ، في ظل الأوضاع المتردية التي تعيشها المنطقة العربية، إلى قاعدة وتتحول هذه الأخيرة إلى حالة شاذة. 

لقراءة المقال من المصدر المباشر اضغط الرابط التالي:
http://www.elkhabar.com/ar/culture/300864.html

إذا كانت أوعية وأدوات المعرفة تطورت... هل واكبها المؤلف؟!

 

كثيرة هي مبتكرات الإنسان واكتشافاته التي نبعت عن حاجة حقيقية وجودية له، فمنذ الأزل توقف الإنسان البدائي أمام معضلة الخوف والهروب الدائم من محيطه وبيئته التي وجدت فيها مخلوقات أخرى تشاركه العيش ومثلت أول تهديد لحياته ووجوده، هذا التهديد هو الذي منعه من الابتكار والتميز لعقود طويلة، بل جعلت منه مطارد وطارد، مطارد من الحيوانات المفترسة التي تهاجمه في كل حين وتريد إلتهامه، وطاردا وراء الفرائس التي يتغذى منها ويجد قوته وملبسه بواسطتها.
هذه الحالة التي امتدت لتاريخ طويل مع الإنسان كان لها أن تتوقف، لتبدأ حقبة جديدة، فظهرت إرهاصات هذا التحول منذ انبثاق الاكتشاف الأول للنار والسيطرة عليها والقدرة على التحكم بها، ورغم أن هناك كثير من علماء الإحاثة والآثار يعتقدون بان هذا الكشف تم بالمصادفة التامة وليس نتيجة لجهد حقيقي من هذا الإنسان، إلا أنه من دون شك بتمكن الإنسان من تسخير النار والسيطرة عليها تغلب على الحيوانات الأشد فتكا به، وكانت حقبة الهروب المتواصل والخوف من هذه الحيوانات قد تلاشت تماما بمجرد إيقاد النار، عدد من الكتب التي درست الإنسان وتطوره الفكري، تذكر أن الإنسان شعر بقوة النار وفائدتها منذ كان يشاهد الغابات وهي تحترق بسبب عوامل طبيعية مثل البرق أو شدة الحرارة، فكانت تشوي الكثير من الحيوانات، فتصل رائحة الشواء الزكية لأنفه فيتغذى من هذا اللحم الذي وجده أكثر ملائمة للغذاء بدلا من تناول اللحم دون طهي، ويقال بان هذه العملية تمت قبل أن يتمكن الإنسان من التحكم بالنار، حيث كان الإنسان البدائي يتجول في الغابات بعد أن تخمد الأمطار حرائقها ويبحث بين الأشجار المحترقة لعله يجد الحيوانات النافقة وقد شويت بالنار. عموما جميع هذه الأقوال تخضع لآراء ونظريات وقليل ما يرفدها من الواقع أو ما تم وضع اليد عليه ليدعم مثل هذه الآراء.
ولكن الذي يعنينا في هذا السياق هو أمر آخر ومختلف تماما، وهو موضوع جوهري يتعلق بالكتابة وتطورها. لأن هذا الإنسان منذ ذلك الفجر وعند تمكنه من تسخير النار لخدمته تبدلت حياته تماما وبات أكثر استقرار، وتمكن من السيطرة على الكثير من الحيوانات لتخدمه. وتتالت فيما بعد جملة من المبتكرات والاكتشافات، مثل العجلة، ورغم أن البعض في عالمنا اليوم قد يرى فيها شيئا متواضع بل ومضحك، إلا إنها في تلك الحقبة الزمنية كانت كشف مدوي وعظيم بكل ما تعني الكلمة، ويعدها البعض أنها مخترع – إذا صحت التسمية – لا تقل أهمية عن اكتشاف النار، وفي المجمل أن بعض من بديهيات هذا العصر، كانت في تلك الحقبة شيئا أشبه بالمعجزة بل المعجزة نفسها بكل ما تعني الكلمة.
بدأ الإنسان يستقر في الكهوف، وبدأت تتسع أفكار للزراعة وتربية المواشي، وعلى الأثر بدأ يشعر بالحاجة للكتابة والتدوين، دون أن يعرف هذا اللون أو طبيعة هذه الحاجة، وقادة تفكيره – العقل – لاستنتاج فكرة الرسم على تلك الكهوف، فكان يرسم كل شيء حتى يتذكر المهام المنوط القيام بها، وكان يرسم المعارك والصراعات التي تقع بين بعضهم البعض أو بينهم وبين الحيوانات المفترسة، فيتم تمجيد وتخليد الأبطال منهم، وكان أيضا يرسم مواسم الزراعة والمحاصيل ، بل وتدوين الحدود بين القبائل مثل ما تم الكشف عنه من نقوش، أرجع العلماء تاريخها إلى العصر البرونزي في اسكندنافيا.


بداية الكتابة

وجود هذا العقل البديع في رأس الإنسان مكنة من القيام بوظيفة حيوية وهي التفكير، وهو ما يعني تخزين المعلومات وحفظها والاستفادة من تراكم الخبرات، لذا حاول حفظ هذه الخبرات، فأخترع النقوش ثم تطور لاختراع الكتابة نفسها عبر تاريخ طويل في عمر البشرية، وفي تلك البدايات لم يخرج عن الطبيعة التي تحيط به، فأستخدم الأحجار المسطحة للرسم عليها وهو بهذا نقل اختراعه لوسيلة جديدة وهي أن تكون نقوشه متنقلة وليست ثابتة مثل الكهوف في الجبال، ثم بدأ في استخدام جلود الحيوانات في الكتابة، ثم أنتقل لاستخدام أوراق الأشجار والخشب والعظام، ومضت سنوات طويلة في تطور مستمر وإن كانت بطيئة حتى وصل لاكتشاف الطريقة التي بواسطتها يستطيع تحويل لحاء نوع من الأشجار – البردي - إلى الورق بعد عملية صناعية بدائية بدأت في مصر القديمة ثم انتقلت إلى اليونان وايطاليا، وتم تطويرها حتى انتشرت في العالم بأسره بعد عدة قرون. 
وهذا نحن في هذا العصر نشاهد ونسمع الكثير من الآراء التي تفيد بان عصر الورق انتهى وأن العالم يتجه نحو التقنيات الحديثة، والألواح الالكترونية في الكتابة والقراءة، بل ذهب البعض لأكبر من هذا وتنبأ بنهاية قريبة للكتب والصحف الورقية أمام مد النشر الالكتروني والصحف الالكترونية، وأهمية مثل هذه الآراء انها جاءت من شخصيات كبيرة في مجال صناعة النشر، مثل عملاقة الصحافة الملياردير الشهير روبيرت مردوخ، الذي قال:" ستختفي الصحافة الورقية بحلول عام 2020م". وكانت آرائه صادمة بالنظر إلى أن ما يفصلنا عن هذا التاريخ نحو خمسة أعوام فقط. لكن لنذهب إلى فيليب ماييرز، وهو مؤلف كتاب: النهاية التحمية للإعلام الورقي، حيث قال : " إن آخر مطبوع ورقي سيصدر في عام 2043". وهو بطبيعة الحال منحنا وقت أكبر نحو 28 عاما، لكن دلالات هذا التحول ماثلة برؤيتنا لعدد من الصحف في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية تتوقف وتتحول للنشر الالكتروني.

أمام هذا جميعه يتضح أن وسائل المعرفة وأدواتها مثل الكتابة والتأليف تطورت بما لا يجعل مجالا للشك، فهل بقي المؤلف نفسه في مكانه أم هو تطور أيضا ؟ إذا كانت الكتابة نفسها مرت برحلة تاريخية طويلة ضاربة العمق في أغوار الزمن، فكيف بمن يصنع هذه الكتابة ويمارسها؟ من المؤكد أنه – المؤلف – هو الآخر يمر بمراحل من التطور والتقدم، ويساعد على مثل هذه التطور طبيعة الكتابة والتأليف، كونها تعطي أسرارها تباعا لكل من يمنحها الاهتمام الكافي من وقته بمساحة يومية للقراءة والإطلاع والتعمق في الكتابات الأخرى. فضلا عن التلذذ بالمنتج الإنساني وتذوق عمقه وسبر أغواره، هذا الإخلاص والوفاء في مضمار الأدب لا يتم مكافأته عادة إلا بوهج إبداعي في النصوص التي ستكتبها وتقوم بتشكيلها. 
الذي لا مجال للشك فيه أن وسائل المعلومات وطرقها تطورت، وآليات المعرفة نفسها تعددت، فلم تعد الكتب بتلك الندرة، ولم تعد الأفكار بذلك البطء في التنقل والاستفادة منها.. ففي عصر الهواتف الذكية حدث تطور معرفي شامل، وعندما أقول شامل فهو يعني كافة الأدوات المستخدمة في التأليف، ففي الوقت الذي كان نشر كتاب يعد مشروع العمر، بل فكرة أن يقرأ منجزك مجموعة من الناس انجاز عظيم، باتت في عصر اليوم أبسط بكثير مما تتخيل، بل حتى مسيرة الكتابة وفق التقنيات الحديثة نفسها تطورت بشكل مهول، وإذا أخذنا شبكة الانترنت ووعائها المعرفي كمثال، سنجد ما كان يعرف بالمنتديات كان لها الصوت الأقوى، ثم انتشرت المدونات، ثم انهار هذا جميعه أو هو في طريقة نحو التلاشي أمام مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر والفيسبوك والانستغرام، وغيرها الكثير – وهناك من يتوقع خفوت لهذه المواقع أمام مد الصورة والصوت مثل كيك وسناب - هذه المواقع جعلت الكاتب أيا كان، هو صانع للنص، للحدث، وبالتالي، باتت صنعة الكتاب وإخراجه للنور رغم أهميتها إلا إنها أكثر سهولة، ولا تنسى الكتب الالكترونية التي بدأت في الانتشار، بل بات البعض يتوجه نحوها تاركا النشر الاعتيادي.


معضلة الأنا

أمام هذه التحولات الجسيمة القوية الجارفة، في جوهر النشر، وجوهر الكتابة نفسها، هل تمكن المؤلف من مسايرة هذا الزخم؟ هل تمكن من ابتكار أساليب إبداعية حديثة؟ من المؤسف أن تكون الإجابة سلبية - قد يختلف البعض –المؤلف عندما يبدأ أولى خطواته قد يتطور معرفيا، بمعنى قد ينشر نصا اعتيادي فيجد النقد والعديد من الملاحظات على نصه، وعندما يقرر نشر منجز آخر هو في الحقيقة يستفيد من خبراته السابقة في تلافي الأخطاء، فيظهر منجزه الثاني أكثر إبداع أكثر دقة وحيوية، وهكذا تجد المؤلف كوعاء ذاتي شخصي خاص للتجارب فيزداد هو خبرات وإبداع، وفي الحقيقية الذي حدث هنا أن المؤلف على النطاق الشخصي تطور، تطورت تجربته، تطور نصه. لكنه فشل في التبشير بهذه الخبرات، فشل في عملية حيوية وهامة وهي التنوير، والدلالة على هذا من الواقع وأمام جملة من كبار الأسماء الأدبية في العالم برمته، كم واحدا منهم أخذ على عاتقه ونفسه تقديم برامج معرفية للمجتمعات، فقدم خبراته ومعارفه. التقنيات الحديثة تفيد في هذا السياق ويمكن لأي مؤلف عظيم أن يجلس خلف كاميرا كمبيوتره ويسجل توجيهاته وخبراته، ويبثها على شبكة الانترنت، فهل هناك مبادرات في هذا السياق؟ توجد جهود من البعض ومع الاحترام للجميع هي مبادرات تأتي ممن هم في طريقهم للصعود نحو سلم الإبداع، لكن أؤلئك الذين تربعوا على هرم اللغة والنصوص الجميلة، بعيدين تماما - دون تعميم - بقيت حالة تطور المؤلف كما أشرت ذاتية شخصية خاصة به، لكن لم يحدث حراك معرفي توعوي إرشادي، لأن المؤلف يموت وهو يحتفظ بالسر، فلا يذيعه، ولا يعلم به أحد، والذي يحدث دوما تأتي جموع من الفتيات والشباب ويبدءون مرة أخرى في الصعود لسلم معالجة النص والتعامل مع الكلمة، فيمرون بنفس المراحل الطويلة التي مر بها ذلكم المبدع الهرم، الذي قرر الموت بصمت وسكون... وكأن المؤلف يجتر نفس الخطوات، ويستلهم نفس المراحل، ويمر بنفس الخطوب والمشاكل والعقبات، دون تطور ودون تقدم، بينما أوعية المعرفة تجاوزت هذا المؤلف، والذي يخشى منه أن يكونوا الناس أنفسهم الذين يكتب لهم المؤلف، سبقوه، فلم يعد يلهمهم، ولم يعد يقدم لهم ما يلهم خيالهم ويؤثر في واقعهم...

لمشاهدة المادة من المصدر أضغط على الرابط التالي:
http://www.alyaum.com/article/4065632

ذهنية التحريم

 

 

 


 

قضية الصراع الثقافي، أو تبادل النفوذ المعرفي بين أمم الأرض، ليس وليد هذا العصر أو أنه جاء وفق إرهاصات محددة، وخصوصاً في هذه الألفية التي نعيشها. لا،مطلقاً، بل إنها قضية كانت ماثلة دوماً في فكر الفلاسفة والمخترعين والمصلحين، فلو رجعنا إلى التاريخ، وتحديداً التاريخ العربي الإسلامي في نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن، واستحضرنا أهم شخصيات ذلك العصر، مثل عالم الاجتماع الشهير ابن خلدون، فسنجد له كلمات بليغة في هذا السياق، إذ قال: «إنما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تشرع في تقليد عدوها». ومن دون الدخول في تفاصيل هذه الكلمات، وحول القصد من مسألة التقليد، وهل يجب رفضه - كون هذا الجانب يطول شرحه - إلا أنها تبقى مثالاً مناسباً في سياق التبادل المعرفي مع الآخر، فالحديث دوماً عن فائدة هذا التبادل المعرفي، وهل فعلاً يوجد تبادل، أم هو هجوم من جانب واحد؟ في الحقيقة أجد كلمات مباشرة وأكثر وضوحاً في هذا السياق للدكتور صادق جلال العظم، وتحديداً في كتابه «ذهنية التحريم» الذي نشرته دار المدى للثقافة، ومن المناسب إيرادها، إذ قال في هذا المنجز المعرفي المشوق: «لنسأل ما هو هذا الذي نسميه بالغزو الثقافي؟ الأدبيات التي نحن بصددها لا تطرح هذا السؤال عادة ولا تحاول الإجابة عليه صراحة، بل تتطرق إلى ظواهر تراوح بين إدانة الحداثة في حياتنا المعاصرة إدانة مطلقة وكلية من ناحية، وبين التنبيه إلى المخاطر التي ينطوي عليها الإعلام الغربي ووكالات الأنباء الصهيونية والكتب والمجلات والعقائد المستوردة، من ناحية ثانية. ويبدو لي أنه لو ترك الأمر بيد أصحاب هذه الأدبيات لقطعوا عن المواطن العربي كل اتصال ثقافي أو علمي أو فني أو إعلامي بالعالم الخارجي بحجة محاربة الغزو الثقافي وأخطاره. كما يبدو لي أن مبالغتهم التهويلية في سرد مخاطر وشرور الغزو الثقافي، كما يفهمونه أو لا يفهمونه، وحماستهم الملتهبة لحمايتنا من تأثيراته الضارة، تنطوي ضمناً على نظرة تحقيرية حقيقية للمواطن الذي يريدون حمايته، إذ يظهر هذا الإنسان بمظهر المنفعل الذي تؤثر في أعماقه كل شاردة وواردة إعلامية أو ثقافية أو سياسية معادية، ولربما تفسر لنا هذه النظرة تركيز أدبيات الغزو الثقافي عندنا على طرف واحد من العلاقة، أي الطرف الغازي وإهمالها شبه الكامل للطرف المغزو، في حين أن أية محاولة لتحقيق فهم جدي وعلمي لظاهرة الغزو الثقافي لا يمكن إلا أن تحيط بطرفي المعادلة».
خيالات مرضى
لعل في هذا الطرح بعض الإجابات إيضاح بعض الحقائق، فنحن أمام معضلة حقيقية، ثلة تتحكم بالخطاب في عالمنا العربي، وتضع سياسات التحريم والمنع بحجة حماية المجتمع، ولا تسعفهم معارفهم إلا بالعمل على الإقصاء والتكميم وإلغاء أي صوت تنويري وحداثي جديد، وهم لا يعلمون أنهم أضعفوا المجتمع وسطحوا معارفه وسحبوا ما يغذيه من قوة.
في عالم اليوم، توسعت أوعية ووسائل الحصول على المعرفة، وباتت أجهزة الهواتف الذكية في يد كل واحد من أفراد المجتمع العربي، وبواسطة هذه الهواتف، يستقبل يومياً مئات من المواد بمختلف أنواعها؛ الصور والفيديو وزخم هائل من النصوص التي تجاوزت الحدود وباتت أعلى وأكبر من الرقيب ووسائله وطرقه، بل إن هذا المواطن، كما هو واضح بات منتجاً للحدث نفسه، ومصدراً وناشراً له.
مع الأسف إن من يترصد بنا هم من يعتنق ديننا ويتحدث بلساننا، هم نتاج فكر الإقصاء وسياسة الحرمان، وما تنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش» وعدد آخر من الحركات المتطرفة الإرهابية، إلا نماذج وأمثلة واقعية لمحاولة تجهيل المجتمعات كي تسهل قيادتها، ثم البدء في العمل على ترجمة مشاريعهم الظلامية على أرض الواقع.
في كتابه الذي حمل عنوان: «الغزو الثقافي يمتد في فراغنا» قال الشيخ محمد الغزالي: «إنني أرفض التبعية النفسية للآخرين، ولكنني من هذا المنطلق نفسه أرفض التصورات الإسلامية للحياة، أعني التصورات التي ينسبها الناس للإسلام، وهي عند التأمل خيالات مرضى وقاصرين». وفي المحصلة النهائية، ليس المجال لإنكار الثقافات الأخرى وعملها على الانتشار والتأثير، ففي النهاية ما الذي يمنع أن يكون هناك تنافس وسباق ثقافي بين أمم الأرض؟ من الذي منعك من إنتاج ثقافتك بلون عالمي والتبشير بها في الغرب وأميركا؟ إن وسائل نقل المعرفة الحديثة - شبكة الانترنت، والقنوات الفضائية، والهواتف الذكية، والتطبيقات وغيرها - هي نتاج ثقافة كان هناك من يبلغنا بأنها ثقافة عدوة... وليكن! ها نحن نستخدم «تويتر» و«فيسبوك» و«آنستغرام» و«يوتيوب» وغيرها كثير، ونستخدم تطبيقات مجنونة بهواتفنا الذكية، ومازلنا نحب ثقافتنا، أما من أرخوا السمع لخطاب الكراهية ولعواصف الغزو الثقافي، فإما أنهم اليوم متطرفون أو أنهم في حال من الذهول والتردد...



لمشاهدة المقال من المصدر أضغط على الرابط التالي:
http://www.alhayat.com/Articles/9695...B1%D9%8A%D9%85

كيف تصنع مؤلف؟!

البعض ممن يتوجه في بداية خطواته نحو عالم الكتابة والتأليف، يعتقد أن هناك مفاتيح سحرية في هذا المضمار من شأنها أن تجعله من الأوائل والأكثر إبداع وبالتالي لو قدر وحصل عليها فإن الأبواب ستفتح على مصرعيها أمامه، وهذه الأبواب متعددة، لعل من أوضحها الشهرة، لكن بطبيعة الحال ليس كل من يتوجه نحو هذا المضمار هدفه الشهرة، لأن في وظيفة التأليف – إذا صحت التسمية – هم أكبر وأعمق.
أعود للقول بأنه من الطبيعي أن هذا الاعتقاد خاطئ تماما، فلا توجد مفاتيح ولا توجد دروس تجعل منك مؤلفا عظيما، كما لا توجد أي دورة تدريبية أو ورشة عمل من الممكن أن تعطيك القلم السحري الذي بواسطته يمكن لكتاباتك أن تكون ملهمة وتلقى القبول لدى شريحة واسعة من القراء.
يقول كولن ولسون، في كتابه الملهم، فن الرواية،: " في ربيع العام 1974م كنت مرتبطا بتدريس منهج عن الكتابة الإبداعية في جامعة روتجرز في نيوجرسي، وكان ذلك تحولا جديدا بالنسبة لي.. إذ قمت قبل ثماني سنوات من ذلك التاريخ ببذل محاولة لتدريس مادة الكتابة الإبداعية في إحدى الكليات بولاية فرجينيا، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن تدريس تلك المادة.. ولم يقتصر الأمر على ذلك.. بل يتحتم عدم القيام بتدريسها.. فقد شعرت أن المبدأ الأساس للإبداع هو البقاء للأصلح.. إذ إن الكتابة الإبداعية عملية شاقة كالصعود إلى أعلى التل، حيث يتساقط الضعفاء بينما يواصل الأقوياء بتؤدة كي يصبحوا كتابا جيدين".

إذن ما هو الممكن فعله لكل من يجد في نفسه الموهبة والرغبة للكتابة والتأليف؟ في الحقيقة هناك جملة من الخطوات التي قد تساعد من لديه الحس، من لديه الموهبة، من لديه رغبة صارمة وقوية على الصبر على طقوس وإلهام ونزف الكتابة، لعل من أولى هذه الخطوات القراءة وهذا يتطلب سعي نحو الحصول على المعرفة وإعادة إنتاجها ونشرها، وللقيام بهذا الدور يتطلب منك أن يكون لديك نهم معرفي يتمثل في الإطلاع المستمر والذي لن يأتي سوى بالقراءة المتواصلة، وستجد أن هذه القراءات بطريقة أو أخرى تنعكس على منتجك وعلى ما ستقدمه للقراء. أيضا من أدوات الإبداع الكتابي اقتناص الفكرة، فالمؤلف الناجح هو ذلك الذي يرخى السمع ويبقى الذهن منفتح على الأفكار ويتعمق في جميع الاحتمالات ولا يتوقف عند الرأي السائد العام مهما كان قوي ومقنع، ولعل هذا الجانب هو ما أشار له الروائي العالمي الراحل نجيب محفوظ، عندما قال:" العقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة حتى ولو لم يؤمن بها". أيضا لتكون مؤلفا بارعا لا تقلد من سبقك في هذا المضمار لأن لك هوية خاصة وبصمة كتابية فلا تفسدها بالتقليد، كذلك لا تتعالى على النقد وترفضه حتى وإن كان نقدا مغرضا قاسيا بل أرخ السمع وحاول أن تجد بين قسوة الكلمات ما قد يفيدك ويرشدك، وهذا الجانب هو ما ذهب له الروائي ويليام فوكنر، الحائز على جائزة نوبل، عندما قال:" الكاتب الشاب يكون أحمقًا إذا اتبعَ نظرية، وفي موضع آخر قال: علِّم نفسك من خلال أخطائك الخاصة".


ميزة في عالم التأليف
إذن ما هو الدور الذي قد تقوم به الدورات التدريبية في مجال الكتاب وورش العمل في مجال التأليف؟ وهو سؤال وجيه وفي محله، وبطبيعة الحال فإن الكلمات السابقة لا تقصد لا من قريب أو بعيد إلغاء هذا الفعل التنويري، لأنه من الممكن أن تجد في الدورة التدريبية على الكتابة وورش العمل التي تقام بين وقت وآخر فائدة أن تنير لك الطريق وتبلغك عن طبيعة التأليف والكتابة وأنواعها، وتوضح المنهج والطريقة التي قد تناسبك، لكنها بكل تأكيد لن تفلح أبدا في إنتاجك كمؤلف وتقديمك للساحة الأدبية، إذا لم تعمل أنت على تطوير مهاراتك وتغذية ملكاتك بكل جديد في هذا المضمار.
وهذه ميزة فريدة في عالم التأليف وهي الوظيفة السهلة الممتنعة، بمعنى أنه يمكن للجميع ظاهريا ممارستها، لكنها بطبيعة الحال لا تعطي جواهرها إلا لثلة قليلة تنجح في فهم رسالتها وفك شفرتها الإبداعية، ولذا نشاهدهم يحلقون نحو قلب وروح القراء، وكم أيضا شاهدنا من منح مساحات واسعة للكتابة ونشر مؤلفاته بكل سهولة، وبعد مضي بعض الوقت تلاشى وأصابه الملل وذهب لميدان آخر يجرب حظوظه في سعي نحو الشهرة لا أكثر. معضلة التأليف عموميتها وأيضا قسوتها، فظاهريا تبدوا مهمة – وظيفة - ممتعة والجميع يريد اقتحامها، ولكنها فاضحة عندما تقدم نصا رديئا ومتواضع، أو منجز متهرئ، فهو يشير لك أمام جمهور القراء بأنك مؤلف ذا مستوى فكري متواضع وسياق معرفي شحيح. ولعل كلمة للمفكر ميخائيل نعيمة، توضح هذا الجانب: " كم من الناس صرفوا العمر في إتقان فن الكتابة، ليذيعوا جهلهم لا غير".


أعود للندوات والدورة التي تقام بين وقت وآخر وتستهدف تعليم من يلتحقون بها في كيفية التأليف، وإن كنت في هذا السياق أجد أن الورش العملية قد تكون أكثر فائدة، أعود بأن هذا القول لا يلغي الدور الجوهري والمهمة التي تقع على كل من ألف وكتب واقتحم هذا المجال فاكتسب خبرات لا بأس بها، حيث عليهم مساعدة كل من يريد الكتابة والتأليف وتقديم الدعم والإرشاد الذي يتمثل في النصح والتوجيه، ومحاولة إبلاغهم بالأخطاء العامة، دون الدخول في جوهر النص وطريقة الكتابة، ومحاولة الفرض على المؤلف الناشئ لطريقة محددة في السرد والراوية فهذا خطأ جسيم، بل نحن في هذا السياق بحاجة لمشروع مؤسساتي ترعاه الهيئات الثقافية المنتشرة في بلادنا، لأن جزء من وظيفة الندوات وورش العمل في مجال التأليف اكتشاف المواهب ودعمها والأخذ بيدها. وعلى الهيئات الثقافية مد جهودها نحو الجيل القادم من بناتنا وأبنائنا وفق خطط تحاول الوصول لهم حتى في مدارسهم، كما أن على كل من اقتحم عالم التأليف والكتابة وباتت له خبراته الخاصة أن يجعل تجاربه مشاعة ويبشر بها ويحاول أن يدعم كل من يريد الكتابة والتأليف... مرة أخيرة لن نٌعلم أحد التأليف ولكننا نضيء جزء من الطريق الذي قد يسلكه !
أدوات المؤلف
لعل من تلك الإضاءة التي قد يحتاجها كل من يرغب بالتوجه نحو الكتابة، هو مراعاته لعدة جوانب وخطوات حيوية منذ ولادة الفكرة وبدء محاولاته لتحويلها على الورق، ولعل هذه الخطوة قد تبدوا عند البعض بديهية ولكنها في الحقيقة خطوة كبيرة ومهمة وليست بالسهولة المتخيلة. يقول الروائي والشاعر النيجيري غابرييل أوكارا في بداية روايته الصوت: " تصعب محاولة الكاتب التعبير عن أفكاره حتى إذا حاوله في لغته نفسها، لأن ما يقال أو يكتب عادة ليس بالضبط ما جال في الفكر، بين ولادة الفكرة وتحولها إلى كلمات يضيع شيء ما". لكنني أتوقع أنه بالتدريب ومواصلة الكتابة سيتمكن المؤلف من ضبط درجة التناغم بين العقل الذي يولد الأفكار ومحاولاته نقل هذه الأفكار لتكون واقعا يمكن للجميع مشاهدتها وقراءتها، وكلما تزايدت مهارة ضبط هذا التناغم كلما زادت مهارته الإبداعية. كذلك على المؤلف أن يراعي جانب آخر حيوي عندما يتوجه نحو الكتابة، وهي حاجته للتأليف، لابد أن يقنع روحه وعقله بأنه عندما يقوم بفعل الكتابة فهو يسدي لهما خدمة جليلة، وبالتالي هو يحول هذا الفعل لحاجة، فإذا تمكن ونجح في إقناع داخله فسيكون أقدر على إقناع الآخرين، لسبب بسيط أن جهده الإبداعي ستكون جميع حواسه قد تضافرت لإخراجه بشكل إبداعي وخلاب، ورغم تباين آراء الكثير من المؤلفين العالميين عن دوافعهم نحو الكتابة، إلا أن الكثير منهم قالوا بأنها نبعت من حاجة داخلية حقيقية لديهم بالتأليف فمنهم من قال بواسطة الكتابة أنتصر على مرضي النفسي، وهناك من قال بواسطة الكتابة أشبع الأنا، وآخر أكد انه بالكتابة تغلب على اللعثمة التي كانت تعيق تواصله بالناس، وهناك من وصف الكتابة بأنها مثل الهواء والماء لا يستطع تركها وإذا قرر تركها سيموت، هؤلاء نجحوا لأنهم جعلوا الفعل الكتابي جزء من حياتهم ونجحوا في إقناع حواسهم، لذا كانوا أيضا أكثر إقناع للقراء في مختلف دول العالم. وفي نهاية المطاف يجب علينا أن ندرك البعد الحقيقي لوظيفة التأليف والكتابة، وأنها تنويره وأيضا إمتاع للقراء، وتذكر دوما أن ما يضحك في نصك سيضحك الآخرين وما يبكيك أيضا سيحزن الآخرين، بمعنى أن نصك إذا كان جزء منك ولامس قلبك ومس روحك سيفعل نفس الأثر بالآخر البعيد الذي لا تعرفه... أهلا بكم في عالم تشكلونه وتصنعونه وتلونه كما تريدون!

لمشاهدة المادة من المصدر أضغط على الرابط التالي:
http://www.alyaum.com/article/4064177

كيف تصنع مؤلف؟!

البعض ممن يتوجه في بداية خطواته نحو عالم الكتابة والتأليف، يعتقد أن هناك مفاتيح سحرية في هذا المضمار من شأنها أن تجعله من الأوائل والأكثر إبداع وبالتالي لو قدر وحصل عليها فإن الأبواب ستفتح على مصرعيها أمامه، وهذه الأبواب متعددة، لعل من أوضحها الشهرة، لكن بطبيعة الحال ليس كل من يتوجه نحو هذا المضمار هدفه الشهرة، لأن في وظيفة التأليف – إذا صحت التسمية – هم أكبر وأعمق.
أعود للقول بأنه من الطبيعي أن هذا الاعتقاد خاطئ تماما، فلا توجد مفاتيح ولا توجد دروس تجعل منك مؤلفا عظيما، كما لا توجد أي دورة تدريبية أو ورشة عمل من الممكن أن تعطيك القلم السحري الذي بواسطته يمكن لكتاباتك أن تكون ملهمة وتلقى القبول لدى شريحة واسعة من القراء.
يقول كولن ولسون، في كتابه الملهم، فن الرواية،: " في ربيع العام 1974م كنت مرتبطا بتدريس منهج عن الكتابة الإبداعية في جامعة روتجرز في نيوجرسي، وكان ذلك تحولا جديدا بالنسبة لي.. إذ قمت قبل ثماني سنوات من ذلك التاريخ ببذل محاولة لتدريس مادة الكتابة الإبداعية في إحدى الكليات بولاية فرجينيا، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن تدريس تلك المادة.. ولم يقتصر الأمر على ذلك.. بل يتحتم عدم القيام بتدريسها.. فقد شعرت أن المبدأ الأساس للإبداع هو البقاء للأصلح.. إذ إن الكتابة الإبداعية عملية شاقة كالصعود إلى أعلى التل، حيث يتساقط الضعفاء بينما يواصل الأقوياء بتؤدة كي يصبحوا كتابا جيدين".

إذن ما هو الممكن فعله لكل من يجد في نفسه الموهبة والرغبة للكتابة والتأليف؟ في الحقيقة هناك جملة من الخطوات التي قد تساعد من لديه الحس، من لديه الموهبة، من لديه رغبة صارمة وقوية على الصبر على طقوس وإلهام ونزف الكتابة، لعل من أولى هذه الخطوات القراءة وهذا يتطلب سعي نحو الحصول على المعرفة وإعادة إنتاجها ونشرها، وللقيام بهذا الدور يتطلب منك أن يكون لديك نهم معرفي يتمثل في الإطلاع المستمر والذي لن يأتي سوى بالقراءة المتواصلة، وستجد أن هذه القراءات بطريقة أو أخرى تنعكس على منتجك وعلى ما ستقدمه للقراء. أيضا من أدوات الإبداع الكتابي اقتناص الفكرة، فالمؤلف الناجح هو ذلك الذي يرخى السمع ويبقى الذهن منفتح على الأفكار ويتعمق في جميع الاحتمالات ولا يتوقف عند الرأي السائد العام مهما كان قوي ومقنع، ولعل هذا الجانب هو ما أشار له الروائي العالمي الراحل نجيب محفوظ، عندما قال:" العقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة حتى ولو لم يؤمن بها". أيضا لتكون مؤلفا بارعا لا تقلد من سبقك في هذا المضمار لأن لك هوية خاصة وبصمة كتابية فلا تفسدها بالتقليد، كذلك لا تتعالى على النقد وترفضه حتى وإن كان نقدا مغرضا قاسيا بل أرخ السمع وحاول أن تجد بين قسوة الكلمات ما قد يفيدك ويرشدك، وهذا الجانب هو ما ذهب له الروائي ويليام فوكنر، الحائز على جائزة نوبل، عندما قال:" الكاتب الشاب يكون أحمقًا إذا اتبعَ نظرية، وفي موضع آخر قال: علِّم نفسك من خلال أخطائك الخاصة".


ميزة في عالم التأليف
إذن ما هو الدور الذي قد تقوم به الدورات التدريبية في مجال الكتاب وورش العمل في مجال التأليف؟ وهو سؤال وجيه وفي محله، وبطبيعة الحال فإن الكلمات السابقة لا تقصد لا من قريب أو بعيد إلغاء هذا الفعل التنويري، لأنه من الممكن أن تجد في الدورة التدريبية على الكتابة وورش العمل التي تقام بين وقت وآخر فائدة أن تنير لك الطريق وتبلغك عن طبيعة التأليف والكتابة وأنواعها، وتوضح المنهج والطريقة التي قد تناسبك، لكنها بكل تأكيد لن تفلح أبدا في إنتاجك كمؤلف وتقديمك للساحة الأدبية، إذا لم تعمل أنت على تطوير مهاراتك وتغذية ملكاتك بكل جديد في هذا المضمار.
وهذه ميزة فريدة في عالم التأليف وهي الوظيفة السهلة الممتنعة، بمعنى أنه يمكن للجميع ظاهريا ممارستها، لكنها بطبيعة الحال لا تعطي جواهرها إلا لثلة قليلة تنجح في فهم رسالتها وفك شفرتها الإبداعية، ولذا نشاهدهم يحلقون نحو قلب وروح القراء، وكم أيضا شاهدنا من منح مساحات واسعة للكتابة ونشر مؤلفاته بكل سهولة، وبعد مضي بعض الوقت تلاشى وأصابه الملل وذهب لميدان آخر يجرب حظوظه في سعي نحو الشهرة لا أكثر. معضلة التأليف عموميتها وأيضا قسوتها، فظاهريا تبدوا مهمة – وظيفة - ممتعة والجميع يريد اقتحامها، ولكنها فاضحة عندما تقدم نصا رديئا ومتواضع، أو منجز متهرئ، فهو يشير لك أمام جمهور القراء بأنك مؤلف ذا مستوى فكري متواضع وسياق معرفي شحيح. ولعل كلمة للمفكر ميخائيل نعيمة، توضح هذا الجانب: " كم من الناس صرفوا العمر في إتقان فن الكتابة، ليذيعوا جهلهم لا غير".


أعود للندوات والدورة التي تقام بين وقت وآخر وتستهدف تعليم من يلتحقون بها في كيفية التأليف، وإن كنت في هذا السياق أجد أن الورش العملية قد تكون أكثر فائدة، أعود بأن هذا القول لا يلغي الدور الجوهري والمهمة التي تقع على كل من ألف وكتب واقتحم هذا المجال فاكتسب خبرات لا بأس بها، حيث عليهم مساعدة كل من يريد الكتابة والتأليف وتقديم الدعم والإرشاد الذي يتمثل في النصح والتوجيه، ومحاولة إبلاغهم بالأخطاء العامة، دون الدخول في جوهر النص وطريقة الكتابة، ومحاولة الفرض على المؤلف الناشئ لطريقة محددة في السرد والراوية فهذا خطأ جسيم، بل نحن في هذا السياق بحاجة لمشروع مؤسساتي ترعاه الهيئات الثقافية المنتشرة في بلادنا، لأن جزء من وظيفة الندوات وورش العمل في مجال التأليف اكتشاف المواهب ودعمها والأخذ بيدها. وعلى الهيئات الثقافية مد جهودها نحو الجيل القادم من بناتنا وأبنائنا وفق خطط تحاول الوصول لهم حتى في مدارسهم، كما أن على كل من اقتحم عالم التأليف والكتابة وباتت له خبراته الخاصة أن يجعل تجاربه مشاعة ويبشر بها ويحاول أن يدعم كل من يريد الكتابة والتأليف... مرة أخيرة لن نٌعلم أحد التأليف ولكننا نضيء جزء من الطريق الذي قد يسلكه !
أدوات المؤلف
لعل من تلك الإضاءة التي قد يحتاجها كل من يرغب بالتوجه نحو الكتابة، هو مراعاته لعدة جوانب وخطوات حيوية منذ ولادة الفكرة وبدء محاولاته لتحويلها على الورق، ولعل هذه الخطوة قد تبدوا عند البعض بديهية ولكنها في الحقيقة خطوة كبيرة ومهمة وليست بالسهولة المتخيلة. يقول الروائي والشاعر النيجيري غابرييل أوكارا في بداية روايته الصوت: " تصعب محاولة الكاتب التعبير عن أفكاره حتى إذا حاوله في لغته نفسها، لأن ما يقال أو يكتب عادة ليس بالضبط ما جال في الفكر، بين ولادة الفكرة وتحولها إلى كلمات يضيع شيء ما". لكنني أتوقع أنه بالتدريب ومواصلة الكتابة سيتمكن المؤلف من ضبط درجة التناغم بين العقل الذي يولد الأفكار ومحاولاته نقل هذه الأفكار لتكون واقعا يمكن للجميع مشاهدتها وقراءتها، وكلما تزايدت مهارة ضبط هذا التناغم كلما زادت مهارته الإبداعية. كذلك على المؤلف أن يراعي جانب آخر حيوي عندما يتوجه نحو الكتابة، وهي حاجته للتأليف، لابد أن يقنع روحه وعقله بأنه عندما يقوم بفعل الكتابة فهو يسدي لهما خدمة جليلة، وبالتالي هو يحول هذا الفعل لحاجة، فإذا تمكن ونجح في إقناع داخله فسيكون أقدر على إقناع الآخرين، لسبب بسيط أن جهده الإبداعي ستكون جميع حواسه قد تضافرت لإخراجه بشكل إبداعي وخلاب، ورغم تباين آراء الكثير من المؤلفين العالميين عن دوافعهم نحو الكتابة، إلا أن الكثير منهم قالوا بأنها نبعت من حاجة داخلية حقيقية لديهم بالتأليف فمنهم من قال بواسطة الكتابة أنتصر على مرضي النفسي، وهناك من قال بواسطة الكتابة أشبع الأنا، وآخر أكد انه بالكتابة تغلب على اللعثمة التي كانت تعيق تواصله بالناس، وهناك من وصف الكتابة بأنها مثل الهواء والماء لا يستطع تركها وإذا قرر تركها سيموت، هؤلاء نجحوا لأنهم جعلوا الفعل الكتابي جزء من حياتهم ونجحوا في إقناع حواسهم، لذا كانوا أيضا أكثر إقناع للقراء في مختلف دول العالم. وفي نهاية المطاف يجب علينا أن ندرك البعد الحقيقي لوظيفة التأليف والكتابة، وأنها تنويره وأيضا إمتاع للقراء، وتذكر دوما أن ما يضحك في نصك سيضحك الآخرين وما يبكيك أيضا سيحزن الآخرين، بمعنى أن نصك إذا كان جزء منك ولامس قلبك ومس روحك سيفعل نفس الأثر بالآخر البعيد الذي لا تعرفه... أهلا بكم في عالم تشكلونه وتصنعونه وتلونه كما تريدون!

لمشاهدة المادة من المصدر أضغط على الرابط التالي:
http://www.alyaum.com/article/4064177

رواية السواد المر.. المؤلف عندما يظلم منجزة !

 

 

قدم المؤلف محمد سليمان الفكي الشاذلي، للمكـتبــة العربــيـة روايته التي حملت عنوان : " مــعاون الخـليفة الــذي طـعنـته سـبية يزيدية". وعلى الرغم من الاندفــاع الــواضـح مـنـذ سـطورهـا الأولى والزج بالـقـارئ فـي أتـون أحـداثـهـا الـمـلـتـهبة، مما يوضح أن لدى مؤلفها الكثير مـن الـسـرد والحكايا، إلا أنـه وعـلـى الـرغـم ما قد يفسر بأنه تشويق، جعلنا نتوقف مـليا أمام عنوان الرواية كمدخل لمحاولة الفهم والتحليل، فهو يـحمل عـدة جـوانب متباينة، وهو أيضا يولد تساؤلات عديدة، لأنه دون شــك قـد كشـف لـنا جـوهر أو جـانب مهم من عمل ضــخـم احتـوى على 484 صـفـحـة بالتمام والكمال، وهـنا نـتسـاءل هل تـخـلى الـشاذلي عـن حـبـكـة لطالما تنادى بها المؤلفون وهي شد فـضـول الـقـارئ وتـشـويقه؟ لأن العنوان منحنا معلومة تبين أننا أمام حدث رئيسي تقوم خلاله فـتاة يزيـدية بطـعن إرهابي في أعلى الهرم الإداري لمنظمة ظلامية وهو معاون الخليفة، ولا يوجد لدينا أي دافع للتساؤل عـن أسبـاب إقدام هذه الفتاة على فعلتها فمعظمنا سيدرك أنها  تـنـافح عن عفتها، ولكنـنا وبهذا العنوان نتوجه نحو عدة تساؤلات لما هو أوسـع وأكـبر، كيـف تـمكنت من طعنه وهو واحدا من أهم رموز هذا التنظيم الإرهابي؟ وفي أي موضع تلقى الطعنة وكيف؟ وبعد هذه الطعنة، هل قتلته أم نجا من الموت؟ وإذا كان لازال على قيد الحياة، كيف تعامل مع هذه الفتاة؟ نحن أمام تساؤلات تستحق التمعن ولدها العنوان فقط.. وإذا كنا ننظر لهذا المنجز من مدخله وما تم عنونته به، فهل كانت 484 صفحة تضم قصة طويلة وظيفتها الوحيدة الإجابة على تساؤلات نبعت من العنوان، أحسب أنه بمجرد أن يتبادر للذهن هذا الظن، تكون هذه الرواية الملحمية قد تلقت ضربة قاسية وتم التقليل من رسالتها، ولا يتحمل مثل هذه الضربة الغير مبررة سوى مؤلفها الذي اختار لها الاسم...

لكن لنعود للرواية، حيث نجد المؤلف الشاذلي يأخذنا في رحلة نحو البذور الأولى لهذا التنظيم الإرهابي، ولكنه أبتكر الوسيلة والطريقة الملائمة لمثل هذه المسيرة وهي ذاكرة معاون الخليفة الطموح – سامي حمدان – حيث جعله البوصلة أو المرشد، من خلال تواجده الرئيسي الوحيد، فمن خلاله نسمع سرد ذكريات شاب عاش في أوروبا ومبايعته للخليفة المزعوم، وصولا لمعارك ضارية وطويلة، مرورا على كثير من الأحداث والشعارات.. وكان واضحا أن مواضيع سفك الدماء وظلم الناس فضلا عن سبي النساء تشكل الهرم الرئيسي الذي تقوم عليه حبكة الرواية، فأنت لست أمام منجز ينشغل بالأفكار، أو يتوجه نحو عمق الانحراف الإنساني الذي حدث أو كيف تشوهت القيم النبيلة، أو كيف وصلت في هذا القرن الحديث المتوهج بالتطور ثلة تعيش خارج الحضارة وبعيدة عن أنوار المدنية، الرواية التي بين يدينا تتحدث عن القتل والرايات السوداء وعن الحروب والخطف وحوارات في جوانب منها إيحاءات جنسية، وأخرى محملة بالقسوة وأيضا الجهل، وهي مواضيع لا جديد فيها ففي كل يوم نسمعها على مختلف وسائل الإعلام وباتت أنباء متواترة عن تنظيم إرهابي متطرف.. لكننا وعلى رغم هذا نجد المؤلف واضح جدا مع القارئ منذ عنوانه وحتى آخر سطر من الرواية، ففي نهاية المطاف نجد إجابة على تساؤلاتنا عن الفتاة اليزيدية – كاجين – فقد طعنت معاون الخليفة، بالفعل، وليته كان الخليفة بنفسه، وليس معاونة !.. ولكن الجديد أنها فرت من الأسر، وهو الذي لم يذكره المؤلف في عنوانه !!.. ورغم توقفي كثيرا وآسفا لهذا العنوان، إلا أنني أسجل بإعجاب وتقدير كثير من الجوانب الإبداعية.. يجب علينا أن لا نغفل وضوح الألم الذي ظهر جليا بين سطور هذا المنجز، فلا يمكننا أن نتجاهل كل هذه الشفافية التي رسمت حروفه الحزينة، كما أننا لا نستطيع تجاوز المهارة التي تمتع بها المؤلف في تنقلاته من حدث لآخر ومن مرحلة حياتية من ذاكرة – سامي حمدان – لمرحلة أخرى مختلفة دون خلل أو تشتيت للقارئ أو تفكيك لترابط الأفكار، مهارة رافقتها لغة قوية ومفردات غزيرة، جعلتنا أمام منجز يستحق التأمل والتوقف.. من المؤكد أن محنة هذا التنظيم الإرهابي ستكون موضوع رئيسي للكثير من المنجزات الروائية خلال هذه الحقبة، لأن ما أحدثته هذه الثلة الإجرامية تجاوز وصفه بالمؤلم وستبقى ذكرى حزينة في قلب كل إنسان...

لمطالعة المادة من مصدرها جريدة الوطن أضغط هنا 

" سقوط سرداب " حكاية الإنسان عندما يفقد الأمل"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

     

                                                      رؤية بقلم : عبدالله زايد       

 

كثير من النقاد تحدثوا عن وظائف الروايـة، وأن أجمل ما فيها أنها مرنة لـــدرجــة يمكنها أن تقوم بوظائف معرفية أخرى، بمعنى أنه يمكنك من خلال التأليف الروائي تمرير وعـــرض المــعــلومـــات والقصــص وفــــق التاريخ أو المستقبل أو الحاضر وتشكلها برؤية ذاتية، وتجعل فيهــا إســقــاطات كثيرة، وإذا أمعنا النظر فإننا سنجد أن هذا واقع حــيث توجد عدة روايات تحمل دلالات وسرد لأحداث مــحــددة يـمكن من خلالها تسليط الضوء عليها ودراستها.. كثيرونمن الأجيــال الـــجديدة لا يعرفون عن الحرب العراقية الإيرانية أيمعـــلومــات، ويجهلون واقع تلك الحرب التي استمرت لنحو ثمانيةأعــوام، وعـدم المعرفة يمتد لمراحل ما بعد تلك الحرب من اجتياح العراق للكويت، وما أفرزته من حروب متتالية تعرض لها العراق. هذا الواقـع المــزري يـنقله لنا بخفة ومهارة كبيرة الروائي العراقي نوزت شمديـن، في روايته: سقوط سرداب، والتي نشرت حديثا من المؤسسة العــربية للدراسات والنشر. والقصة عن شاب قررت أمه حبسه في سرداب البيت فور تخرجه من الإعدادية، ووضع المؤلف عام 1986 كبداية للدخول نحو السرداب، وهذا التاريخ لم يحدده المؤلف اعتباطا وإنما لأنه كان من أعوام الحرب العراقية الإيرانية المشهودة. قيام الأم بإخفاء أبنها في السرداب، للهروب من الموت من جهتين، إما الموت في الحرب والتي أكلت الأخضر واليابس وذهبت بالآلاف من الضحايا والذين يتساقطون يوميا، لذا أيقنت أن أبنها لو قدر له وتوجه نحو التجنيد فإن مصيره الموت، أما الموت الآخر الذي يتربص به فكان من الحكومة نفسها التي تقتل كل من يتخلف عن الاستجابة للتجنيد، لذا نسجت الأم قصة هروب أبنها إلى الخارج، بينما هو في سرداب منزلها.

يأخذنا المؤلف طوال سنوات بقاء هذا الشاب في السرداب لا يصاحبه خلالها إلا المذياع الذي من خلاله يسمع أخبار الــعــالــم الــخارجــي، حيث يلتقط إذاعات مختلفة سواء عراقية أو تلك التي تبث باتجاه العراق من الدول المجاورة وغيرها من الإذاعات العالمية، يأخذنا في رحلة معرفية بتفاصيل دقيقة وحزينة لواقع الإنسان العراقي المطحون في رحى حرب ضروس قاسية، ولقد نجح المؤلف في عدة جوانب أولها الإقناع والتأثـير، والذي ساعده في هذا الجانب غزارة المــعلومــات والقصــص الـتي تم سردها بواقعية ومنطقية بعيدا عن التهويل والتضخيم، ثم جسامة التضحية والألم النفسي لبطل الرواية والتي يمكن إسقاطها على الإنسان العراقي والعربي بصفة عامة، حيث يضــحي بحريته طوال عشرات الأعوام من أجل الأمل بالغد، والذي قد لا يأتي، وهو الأمر الذي اتضح في نهاية الرواية عند خروج البــطل من الــسرداب، ورؤيته لكـــل الفوضــى التـــي تـقع في بلاده بسبب الحروب العبثية في تلك الفترة ثم سقوط نظاــم صدام، ودخــول القوات الأمريكية لبلاده، فآثر العودة للسرداب.. رواية شيقة تحكي عن حقبة تاريخية للمنطقة بــصــفــة عـامــة ولـــحال الإنسان العراقي من الداخل بحميمية وحياد وهدوء ودون أي إسفاف أو حكم على الوقائع أوالشخوص، ذلك أن العمل أدبي روائي وإن كان بنكهة تاريخية واقعية مؤلمة في حين ومبكية في حين آخر.

 

 

أضغط هنا للأطلاع على المادة من مصدرها جريدة الحياة الدولية

bottom of page