top of page

قراءه في رواية المنبوذ لـ عبد الله زايد




بقلم : اليامين بن تومي

وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القلي، معتزل لعمرك ما في الأرض على امرئ سرى راغبا أو راهبا وهو يعق لإفراد الكتابة:رواية "المنبوذ" لـ عبد الله زايد ليست رواية عادية تجرى لترسم عالما تختلط فيه أمواج الأدبية نحو ظاهرة يسيطر فيها الملفوظ فنيا، بل رواية يتأصل فيها الطرح بعيدا عن الإيديولوجي والسياسي، هي من النوع الذي يمكن أن نسميه الرواية الإنسانية لأنها تحفر في الماقبل التاريخي في تشكل الفرد .يتحرك التخطيب من لحظة الحكي الذي يشكل مقولا في الماضي،ويتدافع إلى تناص خارجي في الواقع والحدث نحو المستقبل ليصبح الاستباق والاسترجاع بؤرة زمنية هيمنت جماليا على المستوى المحايث لنص الروي، وهو نص مشفر ملئ بالتثخين الدلالي ومشبع بالإحالة، فائض بمعاني القيمة.تتواصل الرواية داخليا من خلال نسق يفرض جملة من التباينات العميقة، التي تحيل على المعطى المعرفي للسرد عند عبد الله زايد ليكشف السارد عن لعبة الحضور الجماعي والقلب الحضاري المتمدّن لقيمة الفرد، والانتقال النوعي الذي حصل في المجتمع السعودي بمجرد نصيَّة المدينة كحالة اجتماعية تعبر رمزيا عن تنصيب نسق جديد مكان القبيلة هذه الأخيرة التي مثلت أقسى ما يمكن أن تحيل عليه حضاريا كقيمة مركزية لحظت الوعي التاريخي الناتج عن حالة التناقص اللاشعوري جمعيا.فتأسّست القبيلة مركزا جذب إليه القيم العرفية والتاريخية والجغرافية التي بنت حيويتها وفعاليتها في صلب الممارسة الأخلاقية لوعي الإنسان العربي.وبالتالي فهي تحيل على المكان كنقطة متحركة في الفضاء/ساكنة في الذهن، متواجد في عمق الانتماء من حيث الخصيصة الجغرافية التي تحيل عليها الصحراء كقيمة ذات بعد إيديولوجي ،بل هي سيميائيا فضاء علامي شفاف يحيل على بنية راسخة تاريخيا وحضاريا.إن المنبوذ هو استحضار للحركة التاريخية لدلالة الصعلوك الذي ترفضه القبيلة أو الجماعة، إنه نص تجري فيه السمة نحو الواحد نصا المتعددة ملفوظا، هذا المتعدد المُبَنْيَن أنطولوجيا في الذوات المتخاطبة التي ترسم صوريا مسارها كحالات متلفظه اجتماعيا.والرواية تنحو إلى نوستالجيا غريبة إلى تلك البنى العليا التي سكنت مخيلة الإنسان العربي، فهي تؤريخ في المغيب ونحو اللاصوت الذي تنعدم فيه قيمة الحوار مع الآخر.الصوت الذي يصبح إشارة امّحاء، وأثر بعد عين لأنه لا يوجد متفاعلا ولا يتفاعل إنوجادا، لذلك تحاول الكتابة أن تثور على هذه المركزية التي شكلها الصوت الاجتماعي كقيمة متعالية تكتسب قدسيتها من الشخص لا من النص، تُشرعنها العادات والتقاليد وليست الفُهوم كأنساق حضارية مدنية.الكتابة روائيا ضد الصوت كحضور ميتافيزيقي، في المخيلة الاجتماعية التي تجر حنينا مرضيا إلى القبيلة، إلى أنساقها وأعرافها، إلى المضمر من تلك العلاقة التي تجرّ أذيالها كلما استعادت حماسها القديم، إن زاوية "المنبوذ" بهذا المفهوم تعتبر "بيانا ضد القبيلة". ضد أعرافها وأنساقها ومحجوباتها التي تشكلنا داخلها فأصبحت مركزا يهيمن على انتماءنا لذلك أصبح السرد يشكل صوتيا هوية هذا الانتماء بل تذاوتيته المضطربة والمهلهلة في علاقتنا بين عالم صنعناه وعالم مصنوعون فيه، اضطرتنا أنساقنا إلى معاناة الانتماء بين العالمين.يحاول عبد الله زايد أن يعرِّى الانتماء العرقي القبلي إلى انتماء أكبر منه وهو الدولة يبحث في التّشكلات الأولى للمجتمع العربي، والنقلة من البداوة إلى المدينة ومن ثمة انعكاس الجغرافي على العلاقات الحميمية التي تربط الفرد بالعائلة، وكانت صورة الأب في الرواية هي التي تعبر عن هذا التجذر الحضاري للسلطة الأبوية -هيمنة الأب-.وكذلك التبادلات المعنمية بين مفهوم الأرض والأب، فالأولى صورة الأصل الطبيعي والثاني صورة الأصل العائلي ومدى التبادل الأخلاقي الذي يحصل بين الصورتين، وكيف يمكن للمدينة باعتبارها حادثا جديدا في المجتمع العربي وتولد لدى الفرد إقلاب أخلاقي تَمَّحِى معه العلاقة التاريخية، وأن المدينة كفعل مادي أدى إلى انهيار الكثير من العلاقات الاجتماعية لكن تبقى الحدود الأخلاقية العليا تعمل عملها، بإعادة الشخص إلى الطبيعي في جهتيه-الأسري والترابي.وهو تعبير مكثف عن علاقة العربي بأرضه وعائلته، إن هذه الشعرية رسمت أمقت الحالات الشاذة وهي حالة الصعلوك الذي قد يشذ عن القبيلة والأرض، ولكنه يبقى في حالة حنين نوستالجي اتجاه علامات الميلاد (الأرض+العائلة) مما يضفي على المكان شعرية خاصة، حيث ينفتح المكان على الطفولة المرجع نفسه ، العذاب ،الحميمية... جملة من التناقضات الشعرية التي تحاول أن تلعب على التعبير التيماتي لصورة المكان....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دكتور وناقد بجامعة فرحات عباس بسطيف الجزائرنشرت المادة في جريدة الايام الجزائرية

bottom of page