top of page

"وأفردت إفراد البعير المعبد" عن النظام القبائلي



بقلم:محمد معتصم

"المنبوذ" الرواية الأولى للكاتب والصحفي عبد الله زايد من المملكة العربية السعودية، ولعلها تحمل بذور الكتاب الأول، والهم المهني لصاحبها. لذلك جاءت الرواية في سياقات عديدة تقريرية، تحاول أن تقول للقارئ شيئا مهما جدا عن مرحلة نشوء الدولة العصرية في المملكة. لهذا أيضا تعتبر رواية "المنبوذ" ذات قيمة كبيرة بالنسبة لكل دارس اجتماعي أو انتربولوجي من زاوي فردية وإبداعية. فالرواية تؤرخ لمرحلة الانتقال من نمط عيش رعوي فلاحي إلى مستوى الدولة التي تقوم على مؤسسات، ويسودها القانون، ويتمتع فيها الفرد بالحق الاجتماعي والإنساني. بدل الروح القبلية والعشائرية التي كانت تهيمن على الأشخاص. وفي هذا السياق يورد الكاتب في متواليات ووحدات سردية ذات بعد تقريري أحيانا هذه الظاهرة القاسية، يقول مثلا صاحب الحافلة:" هل تعلم أن قلبي ممتلئ حقدا وغضبا على هذا النظام القبائلي..ليس لأن فيه انتماء عائليا..بل لأنه يفضل رابطة الدم عن الروح لكائن اسمه الإنسان..ولأنه نظام مليء بالنفاق يوظف الدين لمصلحته ووفق أهوائه وأهدافه..لأنه نظام ينمي خوف الناس من التجاوز الديني! ففي الوقت الذي يحث فيه الإسلام على رعاية اليتيم..تسحق القبيلة الضعفاء والأيتام..وفي الوقت الذي يشدد فيه الإسلام على المساواة والعدالة وأنه لا فرق بين عربي وغيره إلا بالتقوى..يقوم في القبيلة التمييز والعنصرية بشكل صارخ واضح لا يحتاج إلى جهد لاكتشافه." ص (40). لكن مفهوم القبيلة مختلف حول "عصبيته" وحول "تجلياته" في المجتمعات العربية المعاصرة. فالتكتلات الحزبية والنقابية،،،وبعض التجمعات التي تقوم على فكرة أو تصور، أو موقف تستخدم نظام القبيلة وعصبيتها. خصوصا عند التشكل. بينما الكاتب في الرواية يوسع من هذا المفهوم "القبيلة" بانتقاده وإبراز الجوانب السالبة فيه. وينتقده لأنه ينتصر للدولة العصرية، يرى أنها تشكل الوحدة بعيدا عن رابطة الدم وعصبية العِرْقِ. يفهم هذا الموقف داخل الحكاية من خلال الوضعية التي أعطاها الكاتب للشخصية المحورية، شخصية (الأب) أولا المطرود من أرضه، والمغتصب حقه من قبل أخيه. ثم من خلال شخصية (الابن)ثانيا، المتخلى عنه؛ المنبوذ بين إخوته لمواقفه الجريئة. أي أن الشخصية الروائية تصف حالتها، أو أنها تجسد وضعية سالبة عانت منها في مجتمع قبلي الغلبة فيه للقوي وليس للحق. هنا مربط الفرس، كما يقال. والنص التالي يبرز سلطة "قوة القوي" وليس "قوة الحق والعدالة والقانون". يقول النص:" فلتوها ظهرت بلاد على خريطة الكون..والآمال كبيرة أن يسود العدل والأمان ربوع تلك البلاد..التي طالما عانت من الحروب العشائرية..والتشتت..والتقايل بين القبائل..بل في القبيلة الواحدة وسط رجالها..بل داخل الأسرة بين أبنائها..لطالما حسمت خلافات بقوة القوي..لا بقوة الحقيقة التي بيده..أو الدليل الذي يحمله..إنما بسطوته وتجبره وقسوته..." ص (60). إذا كانت هذه مميزات العهد القديم، عهد العشائرية والقبلية، فإن الطموح إلى الخلاص سيكون قويا. وستعبر عنه الشخصية الروائية (الأب) في صور متعددة: الالتفاف حول العهد الجديد، وحول التغيير والعدالة الاجتماعية وسيادة الحق والقانون. يقول النص في هذا السياق:" المجتمع الجديد الذي بدأ يتشكل كان يوحي منذ الوهلة الأولى أن حياة التشرد والجهل لم تكن في بقعة دون أخرى..بل إنها كانت مسيطرة على كافة الأرجاء دون استثناء، لذلك كان الالتفاف حول العهد الجديد أكثر حماسا وانسجاما حيث تلاقت مصالح الفرد في مجتمع آمن ورخاء مستمر مع الكل، فتشكل هذا النسيج الفريد من الوحدة الوطنية التي قلما يجود به الزمن..لذلك لم يكن تعاطف الجند وقادتهم معي نابعا من مقومات عصبية أو اعتبارات إقليمية أو انتماءات قبلية..كان هذا مؤشرا لتعاطف المجتمع مع بعضه البعض، والتعاون والتلاحم والتعاضد الذي حمل مؤشرات توديع حياة الفئوية والعشائرية والتشرد والتجبر..هو الآن الجدار الأول لحماية وحدتنا الوطنية بكل أبعادها." ص (61) هذا القول يرد على لسان (الأب) عندما تفاجأ بالتفاف الجنود حوله، في قضية شخصية! هكذا كان ينظر إليها في الماضي. اليوم لم تعد هناك قضايا شخصية، بل قضايا المجتمع. فالقتل جريمة، ولا ينبغي أن يتكفل بها الفرد، أو القبيلة في صورة الثأر مثلا والانتقام. بل يجب أن تعالج وفق العدالة والحق والحجة. وأن يعاقب الجاني على جريمته وأن يسود القانون بدل القوة والعصبية. إن الأسلوب الروائي في هذه السياقات المرتبطة بالتحول من القبيلة إلى الدولة العصرية تقريري، وغايته الإخبار لا التخييل. ولا إثارة المخيلة والمشاعر والقيم الجمالية. فهناك فكرة يجب إيصالها إلى القارئ. لذلك فالرواية تحمل أطروحتها. وغلب عليها هذا النمط من الخطاب التقريري، التأريخي، رغم وجود حكايات صغرى، وأخرى كبرى تتمثل في: 1/ محكي الأب، وهو محكي رئيسي وقد استحوذ على معظم صفحات الرواية من الصفحة (21) إلى الصفحة (145). 2/ محكي الابن، وجاء على فصلين؛ الأول "مدخل" وظيفته تمهيد الطريق لمحكي الأب. والثاني تتمة لما انتهى إليه الأب من حال اليأس. طبعا كانت حماسة الأب كبيرة في بداياته، إلى الدولة العصرية لكنه في نهايته اكتشف أن المسالة خطيرة، ومعقدة، وأن روح القبيلة متجددة في صور شتى. لذلك يقول:" لقد كنت أتصور الحياة الفوضى ستنتهي وتتلاشى بإقامة وطن للجميع..وأمة تحوي الشتات والفرقة..لكن هذا لم يحدث..لقد نقلنا أحقادنا وعنصريتنا وقبائليتنا المقيتة إلى أجهزة دولتنا الحديثة..كل الذي حدث تغير الأسماء، أما العقليات القديمة بتفكيرها مستمرة..لم تتبدل أبدا..لذلك لم تتحقق عدالة مطلقة برغم الشعارات..ولم تتحقق صيانة للإنسان لأنه إنسان برغم المثل والآمال التي كانت تراود الكثير..وكان نصيب المرأة الكثير الكثير من الظلم والإهانة والإهمال بحجة صيانتها والمحافظة عليها..وبالتالي تم إحباطها والتقليل من شأنها." ص (144) ويعتبر محكي الأب محكيا استرجاعيا لكن أفكاره أكبر بكثير من الشخصية. لهذا فهو محكي استرجاعي بفكر الابن. وقد تجلى محكي الابن في استمرار موقف الأب الأخير من التحول والتغيير. وأشهر مثال على ذلك حالة النبذ التي تعرض لها الابن من قبل إخوته وأخواته. إنها رواية العائلة، لا لتمجيدها بل لتقويضها وانتقادها. فالأب العظيم المظلوم الذي سعى (الرحلة) نحو التغيير وأمل الوحدة الوطنية سينتهي سعيه إلى اليأس، والصمت، ثم الموت. أما الابن الذي أحب والده فقد لقي مصيرا أسوأ عندما نبذته أسرته، نواة المجتمع. الأسرة التي لا تعرف معنى احترام اختلاف الآخر. وتبرز فكرة الكاتب قوية حول مفهوم القبيلة أو القبائلية والعشائرية عندما يبرز أن القبائلية لا تتجلى في قوة آصرة الدم كما هو متعارف عليه، بل في قوة القوة، والاستبداد والجبروت، حيث لا مجال للضعف أو الضعيف.

-------------------------------------------------------------- --- لقراءة المقال من المصدر المباشر اضغط الرابط التالي: http://motassim.canalblog.com/archiv...___/index.html

bottom of page